أمل الحمدي من جدة
أكد مصدر مسؤول في أحد الجهات الداعمة للمشاريع لـ ”الاقتصادية” أن القروض المقدمة للمشاريع والذي خصصت لها ملياري ريال سعودي، باتت لا تتناسب مع التكاليف الفعلية للمشاريع، من حيث الإيجار والتجهيزات والتكاليف التشغيلية، مبينا أن أكثر من 50 في المائة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تم دعمها فشلت خلال السنوات الأولى، رغم إعداد دراسة جدوى وتأهيل الشباب لإدارة المشروع. وأفاد أن تنفيذها على أرض الواقع كان غير متوقع.
وأضاف أنه رغم تنوع قنوات التمويل وتمويل مشاريع جديدة ومبتكرة إلا أن النجاح لم يحالف إلا القليل من هذه المشاريع، وقال مع الأسف أغلب المشاريع المطروحة تقليدية ومن الصعب القدرة على منافسة المتواجدين في الساحة في ظل غياب الخبرة وحسن الإدارة الدفترية للمشاريع.
وأوضح زياد البسام مسؤول عن تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة في غرفة جدة أن عدم كفاية التمويل للمشاريع، إضافة إلى الإجراءات البيروقراطية وعدم تمكن الشباب من إدارة الدفاتر المحاسبية للمشاريع تصدرت الأسباب الفعلية لفشل المشاريع خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى عدم وضع ميزانية واضحة للمشاريع وكيفية تحرك وتوجيه المشاريع، وقال تنوعت منافذ القروض الداعمة للمشاريع بمختلف أنواعها، ولكن مع الأسف كثير من الشباب طموحهم والمبالغة في التوقعات تفوق المتوقع، حيث يبالغ في حجم الميزانية ويتطلب قروضا تفوق الإيرادات المتوقعة من المنتجات، حيث يبدأ بمقارنة مشروعه بالمشاريع الكبيرة المخضرمة في السوق والعمل وفق منهجيتها، وهو ما أثر في نجاح المشاريع.
الطموح والتفاؤل والتنافس مطلوب، ولكن بالصبر والعمل الجاد والدراسة الفعلية للمشروع.
القروض المقدمة من الجهات الداعمة تعتبر قروضا كبيرة على المستثمرين ولكنها غير كافية في أرض الواقع ومن هنا تحدث فجوة، لذلك سعت الغرفة التجارية إلى تخصيص أقسام خاصة بتنمية المشاريع والبحث المتواصل بكل ما هو جديد، حيث قدمت قروضا بطرق مختلفة ومتنوعة لم تحدد بالقرض المالي، بل الاستشاري والمعنوي والإداري والتسهيلات الحكومية المقدمة ومتابعة المشاريع للحد من فشلها، وعمل دراسات تهدف إلى حماية المشاريع من الفشل. وبين أن الجهات الداعمة كثيرة منها بنك التسليف، وصندوق المئوية، والجهات الداعمة الخيرية، وجهات خاصة تعمل على دعم المشاريع والمصارف التجارية في برنامج كفالة.
وقال: وبحسب تجار في المشاريع في الغرفة التجارية لابد للمستثمر وطالب القرض ألا يبدأ المشروع بشكل كبير يكاد يكون مبالغا فيه مما يعطي مؤشرا كبيرا إلى فشل المشروع، بل لابد أن يكتسب الخبرة من خلال ممارسة العمل والمشاركة في المعارض والبازارات الصغيرة حتى يستطيع معرفة السوق ودراسة وضعها ومعرفة حجم الطلب والعرض، فلم يعد التسويق مشكلة، كما كان سابقا خاصة مع دخول التكنولوجيا والاستفادة منها كأكبر مسوق للمشاريع، كذلك الاختلاط ومعرفة السوق ودراسة واقع الطلب والعرض وتطلعات الزبائن. وبين أن الغرفة سعت إلى إنشاء معارض لتعارف وتسويق ودمج أصحاب الأعمال بالسوق. وحققت المعارض نجاحات واسعة، حيث يعتبر معرض شباب الأعمال الذي يقام سنويا كتجربة صغيرة ضمن 45 مشاركا، والآن ارتفع عدد المشاركين إلى أكثر من 300 شخص، وهو بصدد الانطلاق تشرين الأول (أكتوبر) 2012، وقالوا: بفضل من الله مع الإمكانات التي تقدمها عرفة جدة أكثر من 75 في المائة من المشاركين في مسابقة الهيئة العامة للاستثمار لاختيار أفضل 100 شركة من جدة، وبهذا تحسب للخطوات والجهود المبذولة لدعم المشاريع.
وأوضحت رانية سلامة رئيسة لجنة شباب الأعمال في جدة أن الملام في خلق الفجوة بين القروض التمويلية ونجاح المشاريع، الجانبان الجهات الداعمة والشباب. الجهات الداعمة لابد أن تعيد النظر في تقديم القروض وتقنينها وكيفية متابعتها وجانب المستثمرين في قدرتهم على التنافس والخبرة في المجال ذاته. وأوضحت أن كثيرا من شباب وشابات الأعمال يعملون في طرح أفكار متكررة تصطحبها فكرة مميزة لا يبحثون عن التطوير خاصة في المجالات التنافسية وهو ما يعرض مشاريعهم للفشل.
ولفت إلى أن كثيرا من الجهات الداعمة تدعم الأفكار نفسها مع عدم القدرة على التنافسية، فعادة نرى المشاريع الصغيرة والمتناهية بالصغر تبدأ صغيرة وتنتعش، ولكن لمحدودية الأفكار رغم وفرة قنوات التمويل، إلا أن هذه المشاريع تفشل، لعدم قدرتها على منافسة المشاريع الكبيرة المتواجدة في السوق.
ولفتت إلى ضرورة أن تنتهج الجهات الداعمة فكرة جديدة بعد دراستها لواقع المشاريع القائمة المدعومة، وأسباب فشل الكثير منها، فلابد من النظرة الثاقبة للمشاريع، حيث ينظر للمشاريع باتجاهين مشاريع بأفكار جديدة تستحق الدعم ولكن بعد التأكد من خبرة القائمين على المشروع في العمل في هذا المجال واختلاطهم بالسوق أو بدئهم في المشاركة في معارض وبازارات يتم على أثرها قياس ومعرفة طبيعة السوق، والاتجاه الآخر للمشاريع المتناهية الصغر المتكررة التي تمنح قروضا ومع الأسف أغلبها تنحدر للفشل، لذلك لابد من غرس فكرة الاندماجات والتكتلات، وعلى الجهات الداعمة النظر للمشاريع المتشابهة والتقليدية ودمجها مع بعض لتكوين مشروع متكامل ترتفع الإنتاجية بمستوى أعلى وأفكار متنوعة، لذلك لابد من غرس ثقافة التكتلات والدمج للحد من حجم المشاريع الفاشلة خاصة فيما يتعلق بالمشاريع النسائية التي تعتبر محدودة إلى حد كبير لذلك دمجها وعملها مع بعض بشكل متكامل وفق أنظمة تكفل حقوق جميع الأطراف تولد مشروعا ناجحا قادرا على إدارة القروض المقدمة وخفض احتمالية الفشل والقدرة على المنافسة. وبينت أن استثمار القروض بهذا الشكل سيزيد من حجم الفجوة بين جميع الأطراف.
واتفق هشام كوشك الرئيس التنفيذي لشركة هيكلة المالية مع رانية سلامة في ضرورة عمل تكتل للمشاريع الصغيرة والمتناهية في الصغر للحد من فشل المشاريع التقليدية التي تواجه منافسة كبيرة في السوق وتقوم الجهات الداعمة بدمجها وتعيين شريك استراتيجي يقود المشروع ويديره، حيث تجتمع الأفكار وتتنوع وتنخفض حجم التكاليف ومن ثم إعطاء التمويل الذي سيهم في توسع هذه المشاريع، إضافة إلى توجه الجهات الداعمة إلى دراسة السوق وطرح أفكار ومشاريع جديدة وتوجيه الشباب لها مع توفير مرشد متخصص يتابع مجريات المشروع خاصة في المراحل الأولى للمشروع.
وأرجع عدم تكاتف القروض مع التكاليف إلى أن الغالبية العظمى من الشباب يحرص على تقليص تكاليف المشروع عند الدراسة بالشكل الذي يتناسب مع حجم قروض الجهات الداعمة مما يعرض المشروع للفشل، حيث تعتبر التكاليف أقل من التكلفة الإجمالية للمشروع وبالتالي يدخل المشروع دائرة الديون والفشل خلال السنة الأولى من إقامته، لذلك لابد من توعية الشباب حول أهمية التخطيط الذي يتصدر التمويل، فالتخطيط يعتبر البنى الأساسية للمشروع وقياس للتكاليف الفعلية له، وعدم النظر إلى المشاريع الناجحة ومحاولة تقليدها بدون النظر إلى واقع السوق والمنافسة في السوق.
ولفت إلى فشل المشاريع الصغيرة التقليدية في السنوات الأولى لدخولها ساحة العمل إلى أن عدم القدرة على اجتياز المرحلة الأولى التي تعتبر مرحلة الخطر للمشروع وتتطلب مجهودا مضاعفا ووجود جهات استشارية وتوجيهية للمشروع. وعادة تأخذ المرحلة الأولى من سنة إلى ثلاث سنوات، ومن ثم المرحلة الثانية مرحلة الاستقرار والعمل على الاستمرار في السوق ومن ثم الانتشار وتوسيع دائرة العمل، لذلك لابد من العمل على كيفية توسيع واستمرار المشاريع عن طريق التخطيط بشكل أكبر من التفكير والتركيز على التمويل.
وأوضح حلمي نتو أن حكومة خادم الحرمين الشريفين أولت شباب وشابات الأعمال اهتماما خاصا، حيث اهتمت منذ أكثر من ثلاث سنوات بدعم المشاريع وتوسيع دائرة وقنوات الدعم وأنشأت صناديق برأسمال ملياري ريال سعودي ما بين صندوق المئوية، وبنك التسليف، ومشروع زيادة وغيرها من القنوات الخيرية والخاصة الداعمة للمشاريع، وحددت اشتراطات رئيسة لمنح القروض والحد من فشل المشاريع، ولكن من الملاحظ مع دخول هذه المشاريع في أرض الواقع أن القروض الممنوحة أصبحت لا تناسب التكاليف الفعلية على أرض الواقع للمشاريع من حيث الإيجارات التي تسيطر على أكثر من 60 في المائة من رأس المال، إضافة إلى المصاريف التشغيلية من التصميم والمنتج والأيدي العاملة.
وأبان نتو أن رفع قيمة القرض لا يعتبر حلا خاصة للمستجدين في مجال الاستثمار وخاصة أن هناك قائمة كبيرة من المتعثرين عن سداد القروض لفشل المشاريع، فالحكمة ليست بارتفاع حجم القروض أو انخفاضها بقدر قدرة المستمر في توجيهه استثمارات، لذلك لابد للجهات الداعمة من تقنين وإعادة النظر بالاشتراطات، وإضافة شرط خبرة العمل في المجال ذاته وتجارب مشاركة في معارض تثبت اكتسابه الخبرة ومعرفته لواقع السوق. ثانيا لابد من تحديد نقاط لبدء المشروع لغرض اكتساب الخبرة وكيفية التعامل مع المشاريع لتأتي القروض كخطوة ثانية بعد اكتساب أكبر قدر من الخبرة والاحتكاك في السوق، لافتا إلى أن المستثمر بعد اكتساب الخبرة يصبح أكثر تقنينا في كيفية الاستفادة من القروض وتوجيهها بما يدعمها ويحقق لها نقاط نجاح عالية، ولا بد من تحقيق مفهوم الزيادة التي تعنى بانطلاق المشروع من المنزل أو المعارض لتجنب التكاليف الباهظة التي تهدد نجاح المشروع. وبين أن أغلب المشاريع العملاقة والكبيرة الناجحة كانت مشاريع متناهية الصغر ساعد عامل الخبرة والاحتكاك ودراسة السوق على توسع هذه المشاريع وفق خطط ومنهجية واضحة ناتجة عن خبرات ووصولها للعالمية.
وزاد أنه من الخطأ منح القروض للمشاريع الجديدة التي لم تر النور التقليدية التي لا تصاحب أفكارا مبتكرة وغير قادرة على التوسع، فدعم مثل هذه المشاريع يعتبر عاملا رئيسا لفشلها.
وحول ما يدين به شباب الأعمال ضعف مبالغ القروض المقدمة مقارنة بالمصروفات على أرض الواقع، قال تعتبر أسبابا غير مقبولة وخاصة أن هناك جهات خصصت لبحث كيفية دعم المشاريع بمختلف أنواعها.
وأشار عزيز الحكمي – مختص في تنمية المشاريع الصغيرة – إلى ضرورة تفعيل المسؤولية الاجتماعية تجاه المشاريع الصغيرة ودعمها ليس بالدعم المالي ولكن بالتسهيلات المقدمة لهذه المشاريع، فلابد من منح امتيازات وتسهيلات على جميع أصعدة المشاريع الصغيرة من قبل القطاع الخاص والعام وذلك بتقديم تسهيلات خلال الثلاث سنوات الأولى ”سنوات الخطر”، على سبيل المثال أن تمنح المراكز التجارية تخفيض 50 في المائة من تكلفة الإيجار للمحال الناشئة الجديدة الحاصلة على قروض من جهات معتمدة، خاصة فيما يتعلق بالإيجار التي باتت تسيطر على أكثر من 70 في المائة من حجم تكاليف المشاريع ويعتبر نقطة التعثر الأولى، إضافة إلى تعيين مرشد ومتابع للمشروع، وتخصيص متابع للدفاتر المحاسبية فيما يخص المشاريع المختلفة عن المشاريع الصغيرة، وفيما يخص المشاريع المتناهية الصغر التي تحمل نقاط تميز محدودة لابد من دمجها وفق عمل تجاري واحد منح القروض وفق اشتراطات وأنظمة تقرها الجهة الداعمة لتخفيف التكاليف والقدرة على التنوع في دمج الأفكار والمحاولة على المنافسة في السوق.