عبير ابراهيم – مجلة التجارة – مارس 2011م
المكتسبات الموروثة لا تكفي وحدها، إلا إذا اقترنت بخصائص ومكونات ذاتية وشخصية لتضاف إلى تجربة الإنسان الأولية التي وفرتها الظروف أو دعمها الحظ، وفي حالة بعض الرموز الشبابية البارزة المشاركة بفعالية، تجتمع جملة من العناصر والمقومات التي تجعلها تجربة متميزة، تستدعي تسليط الضوء عليها كنموذج لرائدات الأعمال.. رانية سلامة صاحبة ورئيسة مؤسسة عربيات الدولية لتقنية المعلومات، رئيسة لجنة شابات الأعمال، نائب رئيس لجنة الاتصالات وتقنية المعلومات،أوجدت لنفسها بصمة خاصة في مسيرتها العملية، بدأت مع دخول الإنترنت للمملكة، حيث قامت في عام 2000م بتأسيس مجلة عربيات كأول مجلة إلكترونية، ومع الوقت تحول العمل من التركيز بالكامل على أن تقوم المؤسسة بتطوير وتحرير المجلة والموقع، إلى تقديم خدمات تطوير مواقع الإنترنت من تصميم وبرمجة وتجارة إلكترونية وتسويق إلكتروني. ولأن العمل في هذا المجال مرتبط بتطور التقنيات تؤكد رانية سلامة أنها حرصت على أن تكون الإستراتيجية التي وضعتها للمؤسسة مرنة وقابلة للتوافق مع المتغيرات وتلبية الاحتياجات، بالإضافة إلى البحث عن الثغرات الموجودة في السوق، والتي تكفل من خلال تغطيتها المبادرة بتقديم الخدمات المتوافقة مع الاحتياجات المحلية والمقاييس الدولية في تنفيذ المشروعات الإلكترونية.
* في رأيك.. ما الذي يعرقل تطوير الإعلام الإلكتروني؟
اليوم لا أعتقد أن هناك ما يعرقل تطوير الإعلام الإلكتروني، فقد توافرت أخيراً أغلب مقومات التطوير من خبرة وجماهيرية وتسليم بأهميته ودوره كوسيلة إعلام وتواصل أساسية لا ثانوية، بالإضافة إلى الإعتراف الرسمي به مع اتخاذ وزارة الثقافة والإعلام لخطوة إيجابية تتمثل في إصدار التراخيص الازمة له كنشاط إعلامي وما أتمنى أن يتبع هذه الخطوة هو إيجاد آليات لحفظ حقوق الملكية الفكرية وطرح مبادرات لتحفيز الاستثمار في هذا المحتوى الإلكتروني، والمبشر أن النظام لايزال قابل للتطوير، فأتمنى أن يأخذ بعين الإعتبار الحقوق والواجبات ويقدم المحفزات دون أن يقتصر على أحكام العقوبات.
* هل يعتبر نجاح رانية سلامية في هذا المجال استثنائياً؟
لا أعتقد ذلك، فأي نجاح نلمسه اليوم لأي شخص اختار أن يخوض العمل في مجال جديد يعود إلى وجود إيمان بالفكرة واستيعاب لكيفية تنفيذها ودراسة كل خطوة يقدم عليها مع البحث عن الابتكار وإطلاق المشروع في الوقت المناسب وهذه هي “الخلطة الغير سرية” لأي نجاح بلا استثناء.
* ما الصعوبات التي واجهتك؟
عندما قررت تأسيس منبر إعلامي إلكتروني، أردت أن تكون البداية بشكل مؤسسي وبالطبع اتجهت إلى وزارة التجارة ووزارة الإعلام لمعرفة التراخيص المطلوبة لكن في ذلك الوقت لم تكن قد استحدثت أي تراخيص رسمية لهذا العمل ولا لأي أعمال متعلقة بتطوير مواقع الإنترنت حيث كانت الإنترنت في المملكة لاتزال تحبو في خطواتها الأولى فاضطررت إلى ممارسة العمل تحت نشاط الخدمات التجارية والتسويقية إلى أن تم استحداث هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات وتحول نشاط المؤسسة إلى تقنية المعلومات فعقدنا شراكات مع شركات أجنبية، بالإضافة إلى النشاط الإعلامي الذي تم ترخيصه مؤخراً. مشكلة التراخيص نفسها واجهتني كذلك في عام 2006م عندما أردت أن أحصل على ترخيص خدمات إعلامية لأكتشف أن الشروط من المستحيل أن تنطبق على أي إمرأة سعودية، ومن بين هذه الشروط أن يكون صاحب الترخيص أستاذ في كلية الإعلام بجامعة سعودية علماً بأنه لم يكن هناك تخصص إعلام للبنات في أي جامعة سعودية آنذاك.
* ما المجالات التي برزت فيها المرأة في المملكة العربية السعودية؟
أعتقد أنه يوجد على الأقل امرأة أثبتت نجاحها في كل مجال، فالمرأة السعودية وإن كانت متواجدة بكثافة أكبر في بعض الأنشطة التجارية التقليدية مثل الأزياء والتجميل وتنظيم الفعاليات وغيرها فهذا يعود إلى أنها كانت المجالات المتاحة والمتعارف عليها، لكن بالرغم من ذلك نجد سيدات اقتحمن بمشاريعهن مختلف القطاعات وسجلن نجاحات استثنائية ملموسة أتمنى أن تتحول من استثناء إلى قاعدة.
* ما الذي أضافه إنشاء “عربيات” كأول مجلة عربية إلكترونية لرانية سلامة؟
أضاف لي نفسي، فميلادي الجديد كان مع ميلاد العدد الأول من المجلة مطلع عام 2000م وبالرغم من تعدد نشاطاتي اليوم إلا أن مجلة عربيات تظل مرفئي ومرساي الذي أعترف بغيابي عنه كثيراً لانشغالي، لكن لا مفر من العودة إليه من حين لآخر، فالعمل الإعلامي قد يكون من الصعب أن يحقق الربحية المطلوبة دون الاستناد إلى أنشطة أخرى تدعمه، لكنه العمل الوحيد الذي لا يعترف بـ”التقاعد” وأؤمن بأنني يوماً ما سأعود إلى التفرغ إليه.
* ما الذي يميز موقعكم مع الزخم والكم الهائل من المواقع؟
بالنسبة لعربيات فهي كمجلة لا تنافس على الخبر بقدر ماتنافس على قيمة المادة، فمنذ البداية وأنا أضع ضمن أولوياتي أن لاتنشر عربيات إلا ما يستحق النشر وأن نحافظ على مستوى معين من الحرفية والقيمة للمادة المطروحة، وهنا تكمن الصعوبة لأن هذا الأمر يتطلب عمل شاق وكفاءات صحفية، لذلك وبكل حيادية أقول أفتخر بما نملكه من محتوى أزعم ثراءه ومصداقيته، وأعترف بإخفاقنا في السنوات الأخيرة في سباق سرعة التحديث والمتابعة لظروف خارجة عن إرادتنا حيث واجهنا مصاعب خاصة مع الخدمات التفاعلية التي كانت أحد أسباب نجاحنا واضطررنا إلى تعطيل أغلبها، لكن ما يطمئنني أننا تجاوزنا المشكلة التي واجهت أغلب المشاريع الإلكترونية التي بدأت في وقت مبكر وهي مشكلة القدرة على الاستمرارية حيث تمكنا بفضل الله من الاستمرار لحوالي 12 عام، وهذا بإذن الله سيحفزنا على العمل الجاد لاستعادة الريادة.
* ما هي المؤهلات التي يمكن أن تدعم نجاح تجربة العمل الخاص لرائدة الأعمال السعودية؟
على الصعيد الشخصي إيمانها بفكرتها، وإصرارها على تحقيق أهدافها، وتطوير مشروعها، والأهم “النفس الطويل” لمواجهة التحديات وهزيمة المحبطات التي قد تقابلها في مشوارها. أما على الجانب الرسمي فهي بحاجة إلى تسهيل الإجراءات وتحديث بعض اللوائح والأنظمة بما يتواكب مع ما حققته من نجاحات أثبتت من خلالها أنها مؤهلة للحصول على فرص موازية لفرص رجل الأعمال في المنافسة، وقادرة على تحمل مسؤوليات عملها الخاص بالكامل وإدارته ومتابعة متطلباته.
* طرقت مجال الكتابة في الصحف السعودية ومن خلال موقع عربيات.. كيف تجدين الكلمة عندما تقومي بكتابة المقال؟
كتابة المقال ثقافة ممتعة، حيث أن الكاتب يجب أن يكون متابعاً للأحداث ويقتنص فكرة المقال ويلم بها ليتمكن من التعبير عنها وتقديمها من زاوية مختلفة، بل أحياناً من عدة زوايا ليفتح آفاقاً جديدة لقارئه ويكون كذلك مؤهلاً لمناقشة آراءه، وهي تجربة أحببتها وأفتقدتها رغماً عني لأنها تتطلب وتستحق التفرغ ولو جزئياً، وهذا مالم يعد بوسعي أن أفعله.
* نرجو أن تحدثينا عن المشاركة والتجربة مع مجموعة سعوديات؟
مجموعة “سعوديات” تشكل بداية انخراطي في العمل الإجتماعي، حيث قمت ومجموعة من زميلات الدراسة بتشكيلها في عام 2003م، فلقد كانت هناك عدة مبادرات وملتقيات نسائية رائدة في مدينة جدة، لكن كانت المشاركات الشابة دائماً تأتي على هامشها، فأردنا بتأسيس هذه المجموعة أن نوظف خبرتنا البسيطة التي اكتسبناها من خلال أعمالنا المختلفة لتحفيز الأخريات وإطلاق فعاليات ولقاءات تشعر الشابة من خلالها أنها محور الاهتمام، وتعزز ثقتها بنفسها في الحوار والإبداع والقدرة على تسويق أفكارها ومشاريعها، بالإضافة إلى مشاركتها في خدمة وطنها من خلال العمل الإجتماعي.
* شاركتم مؤخراً من خلال لجنة شابات الأعمال بغرفة جدة في تنظيم معرض شباب وشابات الأعمال 2010م.. كيف كان التفاعل مع المعرض ومطالبكم؟
أعتقد أن المعرض بفضل الله وبمجهودات فريق العمل الذي ضم لجنة شباب الأعمال وشابات الأعمال قد حقق نجاحات كبيرة، تمثلت في زيادة عدد المشاريع المشاركة قياساً بالدورات السابقة بالإضافة إلى زيادة عدد الزوار واستقطاب المسؤولين بشكل يومي في برنامج الزيارات والجلسات التفاعلية المصاحبة. ولعلي وغيري من الشابات قد شاركنا في تنظيم المعرض في دوراته السابقة من خلال عضويتنا في لجنة شباب الأعمال، لكن هذا العام ومع استحداث لجنة شابات الأعمال للمرة الأولى في غرفة جدة برز دور الشابات في عملية التنظيم بشكل أكبر مما مضى، حيث تم توزيع العمل وقيادته بالتوازي بين اللجنتين، وكان الإقبال على جناح الشابات الذي ضم 150 مشروعاً ملفتاً، والمؤشرات التي خرجنا بها محفزة للمضي قدماً في مشاريعنا القادمة.
* ما تقييمك للمشروعات المعروضة؟ وما يميزها عن الدورات الماضية؟
عام بعد عام أجد أن التقدم ملموس في مشاريع الشابات، حيث بدأت تدريجياً تخرج عن الإطار التقليدي لتبرز المبادرات الجديدة والمشاريع المتنوعة والقادرة على المنافسة في السوق.
* ماهو الدور الذي تقوم به لجنة شابات الأعمال؟ والأولويات التي تستند عليها برامجها؟
رؤيتنا أن تكون لجنة شابات الأعمال البوابة التي تنطلق منها مشاريع الشابات بمنهجية إبداعية، تحمل مقومات التنافسية، وتتسم بروح المبادرة والابتكار والتجديد، وتملك القدرة على النمو والتطور والاستمرار. ولتحقيق ذلك وجدنا أن علينا أن نستهدف ثلاث شرائح، الأولى شابات الأعمال اللاتي يملكن أو يقدن منشآت القطاع الخاص، والثانية الشابات اللاتي يمارسن العمل بشكل فردي لتحويله إلى عمل مؤسسي، والثالثة طالبات الجامعات والكليات السعودية لنشر ثقافة العمل الحر بينهن قبل التخرج. وبناءًا عليه وضعنا برامج موجهة لكل شريحة وحرصنا من خلالها على أن تكون المخرجات ملموسة والنجاح قابلاً للقياس كماً وكيفاً، بالموازنة بين ضرورة تحفيز عدد أكبر من الشابات لخوض تجربة العمل الحر، وبين السعي إلى إطلاق عدد محدد من المشاريع المتميزة والمبتكرة التي تملك جميع مقومات النجاح والمنافسة في السوق.