منى الجعفراوي – مجلة لها – 2008
أدركت أن شبكة الانترنت سيكون لها شأن كبير في بلدها حين قررت خوض تجربة المجال الإعلامي عن طريقها، خضوضاً أنها باشرت مشروعها في البداية من الخارج، ومن ثم استقطبت الكثير من المراسلين والمراسلات في دول مختلفة، لتصبح رائدة المجلات العربية على الإنترنت. مجلة “عربيات” الإلكترونية تجد رئيسة تحريرها والرئيسة التنفيذية السيدة رانية سلامة أنها تحرز التقدم تلو الآخر لتفوز دائماً في حلبة سباق مفتوحة. “لها” التقت رانية سلامة بعد ملتقى العلاقات العامة الذي عقد أخيراً في جدة لتقف على حدود العلاقة بين الإعلام والإعلان.
رانية سلامة مؤسس ورئيس تحرير عربيات لماذا هذا المشروع تحديدا؟
الفكرة بدأت قبل دخول الإنترنت للمملكة عندما تسنى لي استخدامها من الخارج أو بواسطة الشبكات المحلية، فتنبهت آنذاك إلى عدم وجود أي محتوى عربي إلكتروني خاص أو مواقع إعلامية كالصحف والمجلات المستقلة عن النشر المطبوع، فبدأت بالإعداد لمشروعي الذي ولد في عام 2000م كأول موقع إلكتروني عربي يضم مجلة تعتمد في محتواها على فريق من المحررين والمراسلين في مختلف أنحاء العالم لإعداد مواد صحفية حصرية لمجلة عربيات، بالإضافة إلى المنتديات التفاعلية والاستطلاعات التي تحولت فيما بعد إلى مركز دراسات إلكترونية لبعض القضايا المطروحة في المجلة أو المقترحة من جهات أخرى لمعرفة توجهات القراء الذين يمثلون فئة الجمهور الجديد لوسائل الإعلام.
ألا تجدي أن الانترنت أصبح يمثل حلبة سباق لذات النوعية من المجلات العربية؟ وكيف يمكن خلق التميز في هذا السباق؟
أتفق معك في أن الإنترنت أصبحت -وربما كانت دوماً- حلقة سباق، ولكن البقاء في المباراة دائماً للأفضل وللأكثر قدرة على الاستمرار بثبات في مسيرته، لذلك قد نجد في كل لحظة موقع إلكتروني جديد ولكن في المقابل سنجد مواقع قليلة جداً استمرت لأكثر من 5 أعوام، وهي باعتقادي الحد الأدنى لاختبار جدية المشروع وأهداف إدارته وجدوى الاستثمار فيه والتعامل معه. وعن عربيات فقد كان عنصر التميز بالنسبة لنا في البداية هو الأولوية في خوض هذا المجال دون وجود منافسة، أما اليوم فالمنافسة أصبحت بالنسبة إلينا أهم دافع للتطوير التقني والمهني لمواكبة المستجدات والمحافظة على ما حققناه من شهادات تقدير دولية لمراعاتنا للمقاييس الدولية في البرمجة والتصميم والأرشفة، بالإضافة إلى قيمة المحتوى التي متى ماتهاون الموقع فيها ليطغى الكم على الكيف تفقد قاعدة البيانات قيمتها وقدرتها على استقطاب الجمهور واكتساب ثقة المعلن.
ما الفرق بين الصحافة الالكترونية والورقية ومن سرق مساحة من الآخر؟
أعتقد أن أهم فارق بين الإنترنت وغيرها من وسائل الإعلام بشكل عام هو أن الإنترنت متعددة الوسائط، فبوسع الصحافة الإلكترونية أن تقدم محتواها كنص مقروء أو ملف مرئي أو مسموع وبالتالي تكسب بسهولة جمهور وسائل الإعلام الأخرى. ولكنني سأخفف من وقع السرقة وأعتبرها إن صح التعبير وصدقت الإحصاءات تنازل الصحافة الورقية عن جمهورها لصالح الصحافة الإلكترونية بسبب عدم تطوير أدواتها. أما الوضع الطبيعي فهو أن لايكون هناك تداخل ومنافسة بين الورقي والإلكتروني لأن كل منهما يعتبر وسيلة إعلام مختلفة تماماً عن الأخرى وبوسعها أن تحتفظ بجمهورها وتلبي مطالبه إذا تفهمت طبيعته.
هل سيأتي علينا يوم تلغى فيه الصحافة الورقية اعتمادا على وجود الالكترونية؟ وهل صحيح أن سقف الحرية والمصداقية أكثر في الصحافة الالكترونية عنها من الورقية؟
سيأتي هذا اليوم فقط إذا ظلت لدينا مؤسسات صحفية يقتصر عملها على النشر المطبوع دون أن تتحول إلى مؤسسات إعلامية تملك النشر المطبوع والإلكتروني والمرئي والمسموع وتحترف إدارة كل ذلك لتوظف كافة الأدوات في خدمة محتواها وفرزه بالصيغة والقالب المناسب للجمهور. أما عن سقف الحرية والمصداقية فلا يمكن تعميم الحكم على الإلكتروني ولا على الورقي لأن الأمر يعود إلى السياسة التحريرية لكل جهة، بالإضافة إلى الرقابة التي قد لا تكون الحروف المكتوبة على سقفها واضحة، وبالتالي الأمر يتطلب اجتهادات شخصية هنا وهناك من المحرر وكذلك من الرقيب.
لك العديد من النشاطات ما بين كتابة المقال، ورئاسة تحرير، ومؤسسة تقنية معلومات، فكيف يمكن أن تنافسي على الأولوية في ظل هذه المجموعة من الأعمال؟
في الحقيقة لا أعتبرها نشاطات متعددة بقدر ماهي مترابطة، فأنا أملك وأدير مؤسسة تقنية معلومات، والتقنية لا تنفصل في عملي عن المحتوى، وكلاهما يتطلبان الإطلاع على المستجدات والاستنجاد بالرؤية والمهارات. لذلك نحن نوظف البرمجة والتصميم لإخراج المحتوى التجاري أو الصحفي بحسب المشروع الذي نقوم بتنفيذه، أما المقالات فهي هوايتي التي فرضت نفسها علي فأحببتها وتكيفت مع متطلباتها واحترمتها دون أن أنظر لها كحرفة أو مهنة. ولا بد أن أعترف بفشلي في تنظيم وقتي بين كل تلك الأمور غير أنه فشل شخصي لا ينعكس على أدائي ولم أخسر بسببه سوى وقت الفراغ الذي اضطررت للتنازل عنه حتى أتمكن من انجاز كل عمل في الوقت المطلوب أو قبله، وأصدقك القول بأنني أعتقد أنني من الأشخاص الذين لايمكنهم أن ينجزوا إلا تحت الضغط وهو أمر أدركته فأحببته وأصبحت أستبشر بضغط العمل وأشعر خلاله أنني على موعد مع النجاح.
من خلال موقعك في مجلة عربيات وأنت السباقة لهذا النوع من الصحافة، هل بالفعل الانترنت فتح فرص عمل للمرأة السعودية؟ كيف؟
بالتأكيد، فمن تجربتي على الأقل وجدت لدى المرأة السعودية قدرة فائقة على الأداء الوظيفي المتميز في هذا المجال مع الاستعداد التام للتعلم وتطوير المهارات. في البداية قمت بتدريب عدد من السعوديات على العمل على أنظمة النشر الإلكتروني عن بعد، ثم بدأت باستقطاب المتميزات منهن إلى العمل المنتظم في مكتبي، وبالتالي أرى أن التقنيات الحديثة فتحت للمرأة مجالات العمل سواءًا أكانت بحاجة لمراعاة التزاماتها المنزلية التي تمنعها عن الخروج للعمل، أو للعمل خارج المنزل في مجال جديد.
ألا تعتقدين أن السيدة السعودية بحاجة إلى ما هو أكثر من مجلة الكترونية يمكن أن تقرأ محتواها في أي مجلة خصوصا في ظل الخطوط الحمراء التي تعاني منها؟
هذا صحيح، فالمرأة والرجل والشباب والأطفال لديهم احتياجات مختلفة ولكل حاجة طريق، فالصحافة الإلكترونية والمطبوعة تقدم محتوى متخصص يراعي المهنية وقد يتوقف عند الخطوط الحمراء، بينما الإعلام الجديد الذي يعتبر إعلام الأفراد حيث يقدم فيه المدون أو كاتب المنتدى أو المشارك في الشبكات الاجتماعية للآخرين مادته وطرحه بأسلوب حر في لغته ومتحرر من الضوابط. والخلاصة أن وجود هذه الأشكال المختلفة من المحتوى والمحررين قد أثرت مصادر ووسائل الإعلام غير أن أي منهما لايمكن أن يكون بديل عن الآخر، فالصحافة المطبوعة والإلكترونية هي مصدر موثوق وأساسي من جهة إعتبارية يعلق عليه رواد الإعلام الجديد في منابرهم، والإعلام الجديد يلهم في المقابل النشر الإلكتروني والمطبوع بأفكار جديدة كما أنه يساهم تدريجياً في رفع سقف الحرية كونه قد جعل الرقيب يدرك أن تناول الإعلام المتخصص لبعض القضايا خير من الاكتفاء بالطرح العشوائي لها من قبل الأفراد بأسماء مستعارة.
أنت بصفة شخصية كيف تجاوزت مثل هذه الخطوط خصوصا أنك بدأت في وقت لم يكن للانترنت أي وجود؟
لا أؤمن بأن من يحترف العمل الصحفي ويجيد طرح مادته سيواجه عقبة الخطوط الحمراء، لذلك في مجلة عربيات لم نواجه مشاكل من هذا النوع، ولكن فيما يتعلق بالأدوات التفاعلية فالأمر يختلف وأعتقد أننا في هذا الإطار قد دفعنا ثمن عدم وجود قوانين تنظم العلاقة بين الإعلام التفاعلي والمنتديات تحديداً وبين الجهات الرسمية، فكنا أمام خيارين إما أن نضع ضوابط محكمة على أداة سر نجاحها وقدرتها على استقطاب الجمهور هو الحرية، أو أن نفسح المجال للحرية المطلقة لنواجه سياسات الحجب. في الحالة الأولى نخسر الجمهور المتفاعل لصالح مواقع أخرى لاتقف ورائها جهات اعتبارية ولا تخشى إدارتها من مناورة الرقيب بتغيير العنوان الإلكتروني من وقت لآخر لعدم حرصها على بناء اسم تجاري أو وجود محتوى آخر ثمين، وفي الثانية تضطرب علاقتنا مع جهات عديدة بسبب طرح فردي غير مسؤول من مشارك، غير أنني متفائلة بالقوانين الجديدة المتعلقة بالإنترنت والتي قد تجعل كل مشارك يستشعر بمسؤوليته حيال ما يكتب، كما قد تحد من الجرائم الإلكترونية التي كان أغلبها يرتكب من باب التسلية ويؤثر على المواقع وعلى التجارة الإلكترونية التي أتوقع أن تنتعش في ظل هذه القوانين الداعمة للاستثمار فيها.
في مؤتمر العلاقات العامة الأخير ألقيت الضوء على الفرق ما بين الإعلام، والإعلان ما رأيك هل يمكن أن يستغل الإعلامي بطريقة ما ليصبح مسوق إعلاني؟
ثمة صلة قرابة بين (الإعلام) و(الإعلان). وهي علاقة يطول الحديث عنها. ولكن دعيني أركز على طرحي في المنتدى حيث بدأ الإعلام الجديد يخلق آليات جديدة تخدم المسوقين والعاملين في مجال العلاقات العامة، ولعل آخرها ما يطلق عليه اليوم اختصاراً SMPR أو Social media press release وهو مصطلح ولد في عام 2006 مع إنشاء الشبكات الاجتماعية فغير صيغة التقارير الصحافية التي تصدرها شركات العلاقات العامة لتصبح أكثر جدوى للشركة وأكثر قدرة على الوصول للجمهور. هذه الآلية مجرد نموذج ومؤشر إلى أن الإعلام الجديد قد غير من طبيعة الجمهور وبالتالي على مؤسسات الإعلام والإعلان أن تسارع بتغيير صيغة وقوالب طرحها لتحقق أهدافها.
من أين أتى هذا الخلط بين العمل الإعلاني والإعلامي؟
أي وسيلة إعلام لايمكن أن تنجح وتستمر بدون الإعلان، والإعلان في حاجة لوسيلة إعلام تنشره أو تبثه، هذه العلاقة أزلية وأبدية وبحاجة إلى أن تكون دائماً صحية ومتوازنة لترضي الطرفين دون أن تكون على حساب الجمهور.
أين تجدين مجلة عربيات في هذا الزخم الإعلامي الحالي؟
أحب أن أرى عربيات الإلكترونية في عيون الآخرين لأن الإنسان عندما يكون قريباً جداً من صورة يحبها لن يتمكن من رؤيتها بعينيه. أما من الجانب الإداري فأرى عربيات ابنة قد بلغت سن التكليف منذ عام 2007 عندما أتمت عامها السابع ودخلت اليوم عامها التاسع، وبالتالي المؤسسة التي دللتها حتى حققت النجاح المعنوي قد قررت تكليفها بمهمة أن يسير نجاحها الأدبي في خط متوازي مع نجاحها التجاري وهي مهمة صعبة إلى حد ما في العالم العربي ولكنها ليست مستحيلة في ظل الإحصائيات والأرقام التي تكشف عن نمو أعداد مستخدمي الإنترنت وتطوير الخدمات والقوانين الداعمة للاستثمار في المحتوى الإلكتروني.
رانية سلامة أين تريد الوصول؟
بدأنا مؤخراً بتنفيذ بعض ماريع التجارة الإلكترونية التي توافرت لها الضمانات المطلوبة. وأتمنى أن نواصل العمل في هذا المجال حتى تتوافر للمستخدم العربي مواقع عديدة للتجارة الإلكترونية تنافس بإمكاناتها ومنتجاتها المواقع العالمية المشابهة.