لا أريد لهذه الجلسة أن تتحول إلى ” سجال” أو ” مناظرة” ، ونحن لسنا في مجال استعراض المهارات ، بل نحن في مجال ” معضلة” عويصة تهم المجتمع، هكذا استهل وزير العمل معالي الدكتور غازي القصيبي حديثه للرد على المداخلات الكثيرة من لدن المشاركين والمشاركات في اللقاء الوطني السابع للحوار الفكري الذي تواصلت جلساته صباح أمس الأربعاء، حيث عقدت الجلسة الرابعة بعنوان:” واقع العمل ومطالب المجتمع: حوار المشاركة مع وزارة العمل” .

لقد بدت ردود وزير العمل هادئة، وهي تجيب على أسئلة ساخنة وجهها أكثر من 70 مشارك ومشاركة إليه، دارت جلها حول مشكلة البطالة، والعمل والتوظيف، والتدريب، والعمالة الوافدة، والعمالة السائبة، والسعودة، والنظر في الحد الأدنى للأجور، وكانت مداخلات المشاركات أكثر سخونة حين طالبن بوضع ضوابط حقيقية لعمل المرأة وتوسيع مجالات عمل المرأة، وتحديد كيفية العمل عن بعد.

القصيبي أجاب عن معظم المداخلات، ورأى أن مشكلة البطالة عويصة، وهي تكونت عبر عشرات السنين، وشارك في وجودها عدد من العوامل، ولا يمكن أن نتخلص منها بحل سحري، ووزارة العمل لا تستطيع وحدها أن تغير ثقافة العمل في المجتمع، ولا تستطيع أن تغير العادات والتقاليد التي تحكم هذه الأمور، وأوضح القصيبي أن موضوع الضوابط الشرعية لعمل المرأة ، قد انتهى بشكل حاسم، “ولن نستمر للأبد نبحث في هذا الموضوع فقد درس هذا الموضوع بمشاركة مجموعة من العلماء والمفكرين والمجلس الاقتصادي الأعلى وتوصلوا إلى قرار حاسم بضوابط عمل المرأة”، وأشار القصيبي قبل أن يتلو بعض هذه الضوابط على الحضور إلى أن الشريعة الإسلامية كفلت حق العمل للمرأة، وأنها دعت إلى عدم التحرش بالمرأة، وإلى فتح المجال أمامها للعمل، ومن بين الضوابط التي ذكرها القصيبي: أن يكون العمل ملائما لطبيعة المرأة، وألا يشكل عبئا عليها، وألا يؤدي إلى ضرر اجتماعي أو خلقي ، وأن تؤدي المرأة عملها في مكان لا يوجد فيه رجال” .

وأكد القصيبي على أنه لا توجد مهن عليا ودنيا، فكل المهن شريفة، وهي مجال صالح للمواطن السعودي، كما أنه لا توجد لدينا ” دماء زرق” تميزنا عن الشعوب الأخرى، وكل الشعوب تبحث عن رزقها، والله تعالى جعل تمايزات بين البشر، والأنبياء كانوا أصحاب مهن، وقد عملوا بالنجارة والزراعة والرعي، وعن تساؤل أحد المشاركين بخصوص ما زعمه من وجود رشاوى للحصول على التأشيرات، رد القصيبي على ذلك بالقول: شأن وزارة العمل شأن الوزارات الأخرى لا تخلو من هذه الآفات، لكن “لا أستطيع أن آخذ قرارا ما لم تكن لدي أدلة، ثم لا أستطيع أن أعين رقيبا على كل شخص فهذه مردها إلى الذمم والأخلاق”.

وأوضح القصيبي أنه لا يوجد نزاع بين وزارة العمل والقطاع الخاص، وأكد على وجود تعاون مستمر بين وزارة العمل والقطاع الخاص في مجالي التوظيف والتدريب، وبالنسبة لإستراتيجية التوظيف التي عرضت على المجلس الاقتصادي الأعلى قال القصيبي إن الإستراتيجية موجودة على موقع الوزارة على شبكة الإنترنت، وقد نوقشت من قبل مجلس الغرف التجارية ورجال الأعمال، ومن لديه اقتراح يرسله للوزارة عبر الإنترنت، واختتم مداخلته مرحبا بأية اقتراح يأتي للوزارة مؤكدا على أن أبواب الوزارة مفتوحة، ويستطيع أي مواطن أو مواطنة تقديم اقتراحه.

وكانت الجلسة الرابعة قد انطلقت صباح اليوم الأربعاء بحضور اللجنة الرئاسية لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وخصصت لطرح مجموعة من المداخلات حول مطالب المجتمع من وزارة العمل، وقد تناولت المداخلات موضوعات توطين المهن، وعمل المرأة، والرواتب والأجور، والبطالة، والتأهيل والتدريب، ونظام عمل ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها من الموضوعات التي تلامس العمل والتوظيف.

واقترح الشيخ صالح المغامسي أن تصرف وزارة العمل النظر عن توطين المهن الدونية، لأنها لا تسد حاجة نفسية ولا حاجة مالية، وأن تصرف كثيرا من الجهد للطلاب الجامعيين، وأن تقوم وزارة العمل بإجراء دورات تدريبية ينصرف أكثرها للمؤهلين، وقال د. عبدالله العثمان بأنه انخفضت معدلات البطالة من 12% عام 1427هـ، إلى 11% عام 1428هـ وهذا إنجاز يحسب لوزارة العمل، ولكنه يرى أنه لا يوجد تنسيق بين المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وبين كليات التقنية والجامعات، واقترحت هند الشامري فكرة إنشاء برنامج وطني متخصص لرصد قائمة بالوظائف التي ترد لوزارة العمل من طالبي الاستقدام، ثم تقوم الوزارة بتدريب مؤهلين وإحلالهم في هذه الوظائف، بينما أكدت د. الجوهرة الصنات على أهمية التدريب على رأس العمل بسبب أن الخبرة هي العائق الرئيسي في سعودة الوظائف، وتساءل د. علي الشعبي: لماذا لا تكون هناك إستراتيجية على المدى البعيد بحيث يكون العامل السعودي مطلوبا في سوق العمل في داخل المملكة وخارجها، ولماذا لا تكون هناك خطة لتجسير الفجوة بين نظام العمل في الحكومة والقطاع الخاص، ولماذا لا يتم تنفيذ الأنظمة على أرض الواقع؟.

وقالت رانية سلامة كيف يمكن أن ينجح أي قرار ما لم يواكبه وعي اجتماعي، ولماذا لا تطلق وزارة العمل حملة توعوية تثقيفية في المجتمع السعودي؟، وعبرت بقية المداخلات عن الرغبة في تحقيق نوع من التنسيق بين وزارة العمل والمؤسسات الأخرى المعنية بالعمل، كما دعت إلى تحقيق ضوابط عمل المرأة، والعناية بمشكلة البطالة والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا السياق.

وقد تحدث معالي وزير الخدمة المدنية محمد الفايز في خلال الجلسة قائلاً إن جميع ما يطرح في هذه اللقاءات هو امتداد لسياسة الباب المفتوح التي تنتهجها الدولة، معبراً عن شكره للقائمين على هذه اللقاءات وما ينتج عنها من رؤى تصب في مصلحة الوطن.

واستعرض الفايز سياسة المملكة في التوظيف في القطاع الحكومي حيث ترتكز على عدة مبادئ وأسس منها توطين فرص العمل حسب ما تقتضيه الحاجة الفعلية للعمل في القطاع العام، مشيراً إلى أن الوظائف الحكومية حق لجميع المواطنين بدون استثناء مؤكداً أن شغل الوظائف الحكومية مقتصر على المواطن دون غيره إلا إذا تعذر لعدم وجود من يحمل التخصص المطلوب.

وأوضح الفايز حاجة كل جهاز حكومي من الوظائف المناسبة لاختصاصه من حيث الإعداد والمستويات بحيث يتم من خلال المناقشة السنوية للميزانية العامة للدولة بوزارة المالية على أساس ما تقدمه الأجهزة في مشاريع ميزانيتها في ضوء خطط التنمية ووفقاً للإمكانيات المالية المتاحة، مؤكداً أن الوزارة لا تملك صلاحية الإعلان عن أية وظيفة إلا بطلب من الجهة التي تتبعها الوظيفة ويستثنى من ذلك الوظائف المشغولة بغير المواطنين، ورأى وزير الخدمة المدنية أن هناك فرقا شاسعا بين مخرجات التعليم وإعداد الوظائف الحكومية وخاصة التعليمية منها حيث إن أعداد الخريجين أكثر بكثير، مشيراً إلى أن عدد العاملين في القطاع الحكومي من السعوديين والسعوديات المشمولين بالتقاعد المدني للعام المالي 1427 / 1428 هـ ما يقرب من 759.000 موظف وموظفة أما من هم على بنود غير خاضعين لنظام التقاعد المدني فهم قرابة 325.332 موظفاً وموظفة مؤكداً أن قدرة القطاع الحكومي تقل كثيراً عن مخرجات التعليم.