أمل المحمدي – صحيفة الاقتصادية – 5 يناير 2013
وأردف أن كثيرا من الشركات تفضل منشآت التستر للعمل معها إما بنظام عقود الباطن، أو بنظام توريد المواد والقطع والأجهزة. فلسفة عمل المنشآت الصغيرة والمتوسطة تقوم على الاستفادة من الشركات الكبرى التي تشكل المظلة الرئيسة لها وتقوم هي بتقديم الخدمات والمواد والأيدي العاملة لها بنظام العقود المجزّأة، فشركة تويوتا على سبيل المثال يعمل تحت مظلتها مئات المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تهتم بتزويد الشركة باحتياجاتها من قطع الغيار والمواد والأجزاء الصغيرة وهذا يساعد على دعم قطاع الصناعة في اليابان بشكل عام. واستدل بتجربة اليابان كيف أنها بنت نهضتها الصناعية معتمدة بالدرجة الأولى على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث إن المشروعات الكبيرة ما هي إلا تجميع لإنتاج الصناعات الصغيرة التي تتكامل أفقيا مكونة فيما بينها تلك المشروعات الصناعية العملاقة، وأدى اعتماد اليابان على المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل الجزء الأكبر من عدد المشروعات التي تشغل نحو 70 في المائة من اليد العاملة، إلى انخفاض نسبة البطالة وزيادة حجم الإنتاج وإلى تحقيق مشاركة ومساهمة فعّالة للأفراد والأقاليم المختلفة في الناتج المحلي الإجمالي وبمعدلات مرتفعة. وقال: “نهضة اليابان الصناعية قد قامت بشكل أساسي على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهذا ما يحتاجه الاقتصاد السعودي، ولعله يكون الحل في مكافحة البطالة وفي تنويع الدخل وزيادته وخلق الفرص الاستثمارية”. ولفت البوعينين إلى أن ثقافة الشركات لدينا تعتمد على السيطرة على المشروع وعدم السماح بعطاء فرصة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، يساعدها في ذلك عدم وضع أنظمة خاصة بدعم قطاع المنشآت الصغيرة حين طرحت المشروعات الضخمة، وبدلا من أن يتوزع الإنفاق الحكومي ليحقق أرباحا للشركة الرئيسة والمنشآت الصغيرة ويسهم في التوظيف وزيادة دخل المواطنين ودعم القطاعات، نجد أنه يتركز في أيدي ملاك الشركات المسيطرة على المشروعات الحكومية الضخمة التي تستأثر بالجزء الأكبر من الإنفاق، وهنا تكمن المشكلة. وزاد أن غالبية الاقتصاديات العالمية الكبرى تتشكل في الأساس من المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تشكل ما يقرب من 90 في المائة من مجمل القطاع الاقتصادي، وهذه النسبة لا ترتبط بالعدد فحسب، بل بحجم المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، ومن هنا تكون الإنتاجية الأفقية في قطاع الاقتصاد متسيدة الموقف، وليست الإنتاجية الرأسية، حيث تسيطر قلة من الشركات على مفاصل الاقتصاد ولا تسمح للشركات الصغيرة والمتوسطة في المساهمة الفاعلة. وأي إنفاق تحفيزي في الدول الصناعية ينعكس مباشرة على قطاعات الاقتصاد وتستفيد منه المنشآت الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، التي تحقق فيما بينها التكامل الاقتصادي الذي يساعد على خلق الوظائف، وزيادة الإنتاج، وزيادة دخل الفرد ورفاهيته. من جهته أبان الدكتور حبيب الله تركستاني أستاذ اقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز في جدة أنه من المتوقع أنه لا تحقق المشاريع الصغيرة أي معدلات نمو في عام 2013، وستسير بوتيرة بطيئة خلال العام المقبل فالمؤشرات المحيطة بمسيرة المشاريع الصغيرة غير مشجعة. وقال: “للأسف لم تحظ المشاريع الصغيرة بأي اهتمام يدعمها للنهوض فما زال عدد المشاريع الصغيرة المتواجدة في السوق صغيرة مقارنة بحجم السوق “مبينا أن المشاريع الكبيرة ستشهد نموا متسارعا خلال 2013 وعلى مدار السنوات الثلاث المقبلة فيما يخالف الوضع المشاريع الصغيرة التي لن تحظ بأي دعم يذكر. وأرجع تركستاني ذلك إلى عدة عوامل: صعوبة المنافسة في السوق وضعف المحفزات في ظل الاشتراطات المتزايدة التي لا تتناسب مع قدرة المشاريع الصغيرة، زيادة تكاليف المشاريع، مقارنة بحجم التمويل. عدم وجود أي مظلة تحتوي المشاريع الصغيرة بغرض تقديم إحصائيات دقيقة توضح مسيرة المشاريع لحصر المعوقات ومعالجتها بشكل يكفل نموها. وأشار تركستاني أن عدم نمو المشاريع الصغيرة وخروج بعض منه سيؤثر في الاقتصاد، خاصة أن المشاريع الصغيرة تمثل 80 في المائة من مسيرة الاقتصاد بالمعايير العالمية، بينما المشاريع الكبيرة تمثل 20 في المائة، فلا بد من الاهتمام بالمشاريع الصغيرة وفق هيئة مستقلة لها تعمل بشكل فعلي بتوفير إحصائيات تجتمع بها جميع الفروع الوزارية لدعم المشاريع وفق خطة زمنية معينة. ووافق الدكتور عبد الله القحطاني تركستاني أن المشاريع الصغيرة لن تحقق معدلات نمو خلال العام المقبل، رغم الجهود التي قدمتها بعض الجهات أنها تعمل بشكل فردي، حيث لا يوجد توافق بين بعض الاشتراطات والتسهيلات المنصوص عليها، مستدلا بتلك المشاريع الخاصة بالاستثمار، حيث تلزم وزارة التربية والتعليم اشتراطات الدفاع المدني، ولكن للأسف الدفاع المدني يضع اشتراطات من غير الممكن أن تنفذ من قبل مستثمرين صغار، فعلى سبيل المثال المساحات المطروحة لا يمكن أن تنفذ من قبل مستثمر صغير في ظل ارتفاع تكلفة الإيجارات التي أصبحت لا تتوافق مع قنوات التمويل في السوق التي تطرح مبالغ بسيطة لا تتناسب مع معدلات التضخم التي تمر بها البلاد، فأغلب قنوات التمويل تقدم دعما لا يتجاوز 30 في المائة من التكلفة المفروضة للمشروع، ما يعثر هذه القروض ويعثر المشروع، وبالتالي تعتبر أموالا مهدرة غير مستفاد منها، وقال: “للأسف لا توجد لدينا أي إحصائيات أو أرقام للمشاريع الصغيرة لتحديد مسيرة المشاريع وحصر المعوقات، فعادة حل المعوقات يأتي من مشكلات فردية وليست كحلول جذرية، فلا توجد لدينا دراسة توضح أنواع المشاريع الصغيرة التي تحتاجها السوق والدراسات إن وجدت تعتبر ضعيفة إلى حد كبير. وأوضح ضعف دور اللجان الشبابية بالغرف التجارية التي تعمل منذ أزمان بعيدة، ولكن للأسف لم تستطع أن تقدم أي دراسات أو إحصائيات للمشاريع سوى أن ترفع توصيات وتقدم حلولا فردية، وهو ما يجعل هذه المشاريع تسير بنفس الدائرة بدون إحراز أي تقدمات فعلية بأداء المشاريع وتطويرها. ولفت إلى ضرورة أن تهتم الجهات الحكومية بشكل فعلي بالمشاريع دون أن تقدم كل جهة امتيازات متفرقة قد لا تتواكب مع الجهات الأخرى، لا بد من مظلة ترعى هذه المشاريع وبكل ما يخصها وفق لجان مختصة من الوزارات تخدم هذه المشاريع، مشيرا إلى التسهيلات المقدمة من بعض الجهات الحكومية أنها غير منفذة على أرض الواقع، مرجعا ذلك لأمرين: تساهل من الموزعين وعدم توفر المعلومة بمستجدات عمل الوزارة أو أن الوزارة تطرح تسهيلات غير منفذة بالأصل في الوزارة وما زالت تحت الدراسة. أما زياد البسّام عضو في “غرفة جدة” رئيس مجلس إدارة مركز تنمية المنشآت الصغيرة بـ “غرفة جدة”، أكد أن كثيرا من أصحاب المشاريع الصغيرة يطمحون في الدعم والاهتمام بشكل أكبر للمشاريع الصغيرة، وبلورة وإنشاء هيئة مستقلة عليا تعنى بالمنشآت الصغيرة تعمل بشكل فعلي على تسهيل جميع المعوقات التي تواجهها، مبينا أن الغرف قامت بكل ما تستطيع من خدمة المشاريع الصغيرة، ولكن هناك معوقات تحتاج إلى تدخل من جهات حكومية بوضع أنظمة خاصة بها تكفل دعمها واستمرار نموها. وأردف: أن المشاريع الصغيرة ما زالت تعاني من معوقات تتصدرها الإجراءات الحكومية التي لا تتناسب مع واقع المشاريع الصغيرة، حيث يتم تسويتها بالمشاريع الكبيرة، ما يضر بمسيرة هذه المشاريع، إضافة إلى عدد من المعوقات الهيكلية التي تواجهها المشاريع الصغيرة. وقال: “يحتاجون إلى جهات مؤهَّلة ومتمكنة لتقدم لهم دورات تساعدهم على بداية مشاريعهم، وأيضا كيفية تقديم دراسات الجدوى وكل ما يتعلق بالجوانب المالية التي عادة تكون سببا لتعثر المشاريع، ليقوم بالمشاريع بشكل يكفل استمرارها ونموها، خاصة أن هناك كثيرا من المشاريع تتعثر خلال السنوات الأولى من عملها، لعدم قدرتها على المنافسة، ولعدم تأهيلها بكيفية إدارة الشركات”. وأشار البسّام إلى أن قنوات التمويل ما زالت تسير بشكل تقليدي فمنذ السنوات الأولى من التوجه للاهتمام بالمشاريع الصغيرة باعتبارها كيانا يستلزم دعمه وتوجيهه للنهوض باقتصاد البلاد إلا أن قنوات التمويل ما زالت تقليدية وبسيطة لم تدخل عليها أي أنواع جديدة، تهدف إلى تطويرها، مبينا أن التمويل يحتاج إلى نظام خاص لدعم المشاريع الصغيرة، نظام يكفل استمرارها، وقال: “لا بد من استحداث قنوات التمويل الحديثة التي تتواكب مع متطلبات السوق ويحتاجها السوق مثل التمويل المنتهي بالتمليك وتمويل رأس المال المخاطر بمعنى أن يكون هناك شريك متناقص لفترة معينة، كما هو معمول به في كثير من الدول المتقدمة واستطاعت النهوض بالمشاريع، إضافة إلى التمويل المتخصص مقدم من شركات إلى المشاريع الصغيرة من نفس التخصص، إضافة إلى إلزام المصارف بتوجه جزء من قروضها للمشاريع الصغيرة كشرط لتقديم القروض للمشاريع الكبيرة، ما ستقدم المصارف عروضا تنافسية للقروض، إضافة إلى الحد من القروض الاستهلاكية غير المجدية. وأوضحت رانية سلامة رئيسة لجنة شابات الأعمال بـ “غرفة جدة” أن مخصصات الميزانية اهتمت بشكل كبير بمشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم وصناديق التنمية المتخصصة وبرامج التمويل الحكومية، والآمال معقودة في استحداث برامج في التعليم العام تستثمر بشكل أكبر في صناعة شخصية الطالب منذ الصغر واكتشاف المهارات والقدرات، وبرامج متخصصة في ريادة الأعمال في الجامعات تجمع بين النظريات العلمية والتجارب العملية، فجانب التأهيل والإرشاد لا يزال أهم أسباب ضعف مشاريع الشباب والشابات وتعثرها في السوق، وعلى الرغم من وجود تجارب عديدة إلا أن المشكلة بحاجة إلى العلاج من جذورها في البرامج التعليمية، لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية على المدى، ومن الواضح أن قطاع منشآت شابات الأعمال يواجه صعوبة أكبر من غيره في الخروج من عنق زجاجة التعثر أو النمو لمصاف المنشآت المتوسطة والكبيرة لأسباب تتعلق بفرص التأهيل والإرشاد والمنافسة أكثر من ارتباطها بالتمويل. وقالت سلامة: لا أعرف كم مشاريع شابات الأعمال التي تم تمويلها خلال الأعوام الماضية على سبيل المثال من برامج التمويل الحكومية، لكن من المهم النظر إلى التقدم الذي تحرزه في مجال التوظيف والنمو والقدرة على الاستمرارية، لذا نسعى من خلال برنامج (ريادة الأعمال) في لجنة شابات الأعمال إلى رصد الصعوبات التي تواجه منشآت الشابات والاحتياجات، حيث تم خلال العام الماضي وضع نموذج مصغر من سبعة مشاريع لشابات الأعمال وتوفير التمويل والتسهيلات، وكذلك برنامج إرشاد مكثف لها مع متابعة لصيقة بهدف الخروج من هذه التجربة بقراءات دورية يتم مناقشتها مع جهات مختلفة في قطاع الأعمال وقطاع التعليم والتدريب، وكذلك الجهات المعنية بالتمويل، وسيكون هناك بإذن الله تقرير مفصّل سيصدر قريبا عن اللجنة التوجيهية للبرنامج”.